الفن التشكيلي وأمراض العين

زائر

في رحاب المركز الثقافي ( في حلب ) ألقى الدكتور سمير أنطاكي محاضرة تحت عنوان ( الفن التشكيلي وأمراض العين ) تحدث في البداية عن العين بوصفها جهازاً بصرياً حياً، يشبه آلة الكاميرا، يستقطب الصور التي تحيط به بأشكالها وألوانها وأبعادها وينقل هذه الصور عبر أعصاب خاصة إلى الفص القفوي من الدماغ، حيث يتم التعرف إليها ووضع اسمٍ ولونٍ عليها، وربط هذه المعلومات المرئية مع باقي الحواس من لمس وذوق وشمٍّ وسمع، كما أنها قد تولد بعض الأحاسيس. ثم وصف العين عبر مقاربتها بآلة التصوير فهي حجرة مستديرة فيها فتحة من الأمام وأوساطها شفافة تسمح بمرور الأشعة بموجاتها المختلفة لكي تسقط الصورة على الشبكية وبخاصة على النقطة المركزية منها المسماة باللطخة الصفراء. في هذه اللطخة توجد ثلاثة أنواع من الخلايا الحسية هي: المخاريط الحمراء والزرقاء والصفراء. وهذه المخاريط هي المسؤولة عن رؤية كل ألوان الطيف ، وهي خاصة ينفرد فيها الإنسان مع بعض الحيوانات كالقردة، لأن بقية الحيوانات لا ترى إلا لونين أو لوناً واحداً.
بعد ذلك تحدث المحاضر عن آفات عديدة قد تصيب الجهاز البصري لدى الفنان .فإذا كان الفنان مصاباً بسوء انكسار، فهو بحاجة إلى نظارة طبية، كالذي يكون مصاباً بحسر بصر، أي لا يرى من بعيد، أو بمد بصر، أي لايرى من قريب، أو بحرج بصر، أي أن تكون عينه بيضوية الشكل وليست مستديرة فلا يرى في كل المحاور بالوضوح نفسه. وفي هذه الحالات إن عدم استعمال الفنان النظارة الملائمة، قد يكون له تأثير على فنه. وضرب د. أنطاكي مثلاً على ذلك الرسام " بيسارو" الذي كان أحد أفراد المدرسة الإنطباعية والذي كان مصاباً بحسر بصر، علاوة على إصابته بآفة في المجاري الدمعية. فكان لا يحب الخروج إلى الطبيعة ليرسم، لأنه كان يتضايق من الهواء والغبار والشمس فكان يرسم باريس مِن منزله عبر نافذته، وهذا ما أعطى نكهة خاصة للوحاته.
ومن الفنانين الحسيرين، العديد من الإنطباعيين .
أما بالنسبة إلى" اوغوست رونوار" الذي كان يفضل أن يرى الأشياء غير واضحة فيبتعد بذلك عن رسم التفاصيل الدقيقة التي كانت هاجس فناني تلك الحقبة.
وما يلفت النظر أن " رونوار" كان يحاول دائماً الإبتعاد عن الشيء أو الشخص الذي يريد أن يرسمه كي لا يراه بوضوح ، وهكذا كان " رونوار" يرسم بالضبابية التي أحب والتي جعلته من أشهر فناني تلك الفترة. كما أن المصاب بقصر البصر يرى اللون الأحمر بشكل أفضل من الأزرق، ولهذا نرى تفضيل " رونوار" للون الأحمر.
وعن التغيرات التي تطرأ على عدسة العين الطبيعية والناجمة عن التقدم بالسن، ( الماء الأبيض أو الأزرق) فهناك العديد من الفنانين الذين أصيبوا بهذه الضريبة الناجمة عن الشيخوخة.
ولقد أكد بعض النقاد والأطباء بأن التغيير الذي طرأ على النمط الفني لبعض الرسامين الكبار ناجم عن تشكل الساد. أما غيرهم فقد نفى ذلك نفياً قاطعاً مؤكداً أن هذا التغيير قد يكون ناجماً عن التقدم في السن وارتجاف الأيدي وانخفاض القدرة على تمييز الألوان والأشكال الناجم عن شيخوخة أنسجة العين كلها. أما" كلود مونيه" الذي كان من أشهر الإنطباعيين، فقد حدث عنده أيضاً تحولٌ في انتقاء الألوان عندما تقدم في السن. وكان " مونيه" يعتمد في رسمه على الإنطباعات البصرية، وكان يقول لتلاميذه:"عندما تخرجون لترسموا، حاولوا أن تنسوا ما هي الأشياء التي أمامكم، شجرة كانت أم بيتاً أم حقلاً أو أي شيء آخر. فكروا فقط كالتالي: هذا مربع أزرق، وهذا آخرٌ زهريٌ وهذا شكل بيضوي أخضر اللون وهذا خط أصفر، ارسموها كما تبدو لكم بألوانها وأشكالها بالتمام كي تعطيكم الإنطباع الساذج للمشهد الذي أمامكم".
وعندما بلغ الثامنة والسبعين من عمره، ازدادت المشاكل لديه وبدت الأشكال غير واضحة في لوحاته والألوان متقاربة، فأصبحت سمفونية الألوان التي كانت معهودة لديه مقتصرة على الأزرق والأصفر وغدت باهتة ، وهذا ما نلاحظه في لوحتيه "الصفصاف الباكي" " و"نانفيا".
ثم انخفضت الرؤية لديه أكثر فأكثر واختفى اللون الأزرق من لوحاته وطغى عليها اللون الأصفر والأحمر. وبعد أن وصفت له النظارة صار يتشكى من أنه يرى كل شيء أزرق، ولم يعد يرى الأحمر ولا الأصفر، فلوحة الجسور اليابانية التي أعاد رسمها طغى عليها اللون الأزرق، وكانت قاتمة.
وقسم د. انطاكي أعمال مونيه إلى حقبتين. الحقبة الأولى حقبة قبل الساد والشيخوخة، والتي اشتهر فيها كحامل علم الإنطباعيين ومن أهم رسامي القرن التاسع عشر، والحقبة الثانية هي حقبة الساد قبل العمل الجراحي وبعده التي حوَّلته إلى رسام الحداثة والسريالية. وبهذا يكون " مونيه" الرائد السباق لفناني القرن العشرين.
ثم انتقل المحاضر إلى فنان آخر قد تكون إصابته العينية سبباً في تألقه وهو" ادكارديغا" الذي كان يرسم بكثير من الدقة ولا يهمل أي تفصيل، والذي بدأت الرؤية لديه بالتدني، في الثلاثين من عمره نتيجة إصابته بآفة في الشبكية، وتدريجياً فقد الرؤية في إحدى عينيه وأصيبت الثانية بعتمة، فاعتمد طريقة رسم ضبابية كما عند الإنطباعيين وتحول إلى الرسم " بالباستيل" عوضاً عن الزيتي الذي هو أصعب تقنياً. وأن الرسوم التي قام بها في هذه الفترة أمثال " راقصات الباليه" و"المستحمات" ذات القوام الرشيق المياس فقد خلّدت اسمه .
أما " فان كوخ " فقد اتهم بأنه يستعمل اللون الأصفر بشكل مرضي. ولهذا الاستعمال تفسيران: الأول، أنه كان يستعمل مركبات الديجيتالين والتي كانت تستعمل في نهايات القرن التاسع عشر لمعالجة حالات الصرع. وإن كثرة استعمال الديجيتالين الذي يستعمل الآن لعلاج بعض أمراض القلب، يجعل المريض يرى العالم أصفر. وإن الذين يروجون لهذه النظرية يقولون إن البرهان على ذلك هو أنه رسم لوحتين لطبيبه وهو ماسكٌ زهرة الديجيتال في يده. أما التفسير الآخر فهو أن فان غوغ كان مصاباً بتسمم عطور "التيريبانتين" .
ومن المعروف أن فان غوغ كان يحتسي بشكل مفرط مشروباً فيه درجة عالية من الكحول تصل إلى أكثر من 70% وقد تكون كل هذه المواد إضافةً إلى الكافور الذي كان يضعه في وسادته وعلى فراشه ليساعده على النوم في ليالي الأرق، وإلى التبغ الذي كان يدخنه بشراهةٍ قد أدت إلى حدوث التهاب في العصب البصري في العينين. وفي هذه الحالات تنخفض عند المريض حاسة تمييز اللونين الأخضر والأحمر. ومن هنا نفهم أن فان كوخ كان يفضل الأصفر والأزرق.
كما أشار د. أنطاكي في محاضرته إلى الفنان السوري الراحل يوسف صابوني (1950-2003) فارس الألوان المائية الذي توفي بعد صراع مع المرض. وقد أدت إصابة الدماغ لديه إلى رسم لوحاتٍ غير كاملةٍ في أواخر أيام حياته لأنه لم يكن يرى هذه المنطقة من الساحة البصرية.
وتساءل المحاضر في محاضرته: إن العديد من الفنانين التشكيليين الكبار كانت لهم مشاكل صحية وبخاصةٍ مشاكل عينية. فهل هي التي كانت سبباً في تغيير نهجهم ومدرستهم الفنية أو خلق مدرسةٍ جديدةٍ أم كان ذلك مجرد صدفة أو تطور طبيعي في حياة كل فنان؟
تعليق سريع :
من المفيد التعرف على أحوال الجسد وعلاقته مع الإبداع .. وفي العرض السابق لتلك المحاضرة الشيقة معلومات مفيدة عديدة ربما تلقي الضوء على فهمنا لبعض الأعمال الفنية التشكيلية أو لجوانب منها .. وفي ذلك إغناء للنقد الفني .. ولكن لابد من التأكيد على أن فهم الإبداع الفني واتجاهاته لايمكن ان يختصر بشكل مادي مبسط وأنه مرتبط بعلة أو تقصير في حاسة البصر.. والنظرة المتكاملة تتضمن عوامل متشابكة ذاتية ونفسية واجتماعية وفكرية .. ويبقى الفنان " ذلك المجهول " ..

موضوع مفيد وهايل
تسلم ايدك ياشاعرنا
دايما تمدنا بالمفيد

زائر

سنه واحده الى فشلت فيها جدا فى العلوم كنت فى تانيه اعدادى

لسبب واحد انه العلوم كله كان عن العدسات والانكسار والحاجات دى

هو موضوع علمى جدا مش فاهماه اوى بس استفدت منه معلومات

اشكرك يا شاعر على اهتمام بالموضوعات العلميه

شكلنا كده محتاجين قسم جديد لمواضيعك العلميه دى

زائر

ميرسى على مرورك الكريم يااحلى
دنيا
وحمد الله على السلامه